سورة العنكبوت - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


قوله تعالى: {الم أحَسِبَ النَّاسُ أنْ يُتْرَكوا} في سبب نزولها ثلاثة أقوال.
أحدها: أنَّه لمَّا أُمر بالهجرة، كتب المسلمون إِلى إِخوانهم بمكة أنَّه لا يُقْبَل منكم إِسلامكم حتى تُهاجِروا، فخرجوا نحو المدينة فأدركهم المشركون فردُّوهم، فأنزل الله عز وجل من أول هذه السورة عشر آيات، فكتبوا إِليهم يخبرونهم بما نزل فيهم، فقالوا: نَخْرُج، فان اتَّبَعَنَا أحدٌ قاتلناه، فخرجوا فاتَّبعهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم مَنْ قُتل، ومنهم مَنْ نجا، فأنزل الله عز وجل فيهم {ثُمَّ إِنَّ ربِّكَ للذين هاجروا مِنْ بَعْد ما فُتِنوا} [النحل: 110]، هذا قول الحسن، والشعبي.
والثاني: أنَّها نزلت في عمَّار بن ياسر إِذ كان يعذَّب في الله عز وجل، قاله عبد الله بن عُبيد بن عُمير.
والثالث: أنَّها نزلت في مِهْجَع مولى عمر بن الخطاب حين قُتل ببدر، فجزع عليه أبواه وامرأته، فأنزل الله تعالى في أبويه وامرأته هذه الآية.
قوله تعالى: {أحَسِبَ النَّاسُ} قال ابن عباس: يريد بالناس: الذين آمنوا بمكة، كعيَّاش بن أبي ربيعة، وعمَّار بن ياسر، وسَلَمة بن هشام، وغيرهم.
قال الزجاج: لفظ الآية استخبار، ومعناه معنى التقرير والتوبيخ؛ والمعنى: أحَسِب النَّاس أن يُتْرَكوا بأن يقولوا: آمَنَّا، ولأَن يقولوا: آمَنَّا، أي: أَحَسِبوا أن يُقْنَع منهم بأن يقولوا: إِنَّا مؤمنون، فقط، ولا يُمتَحنون بما يبيِّن حقيقة إِيمانهم، {وهم لا يُفْتَنون} أي لا يُختَبرون بما يُعْلَم به صِدق إِيمانهم من كذبه.
وللمفسرين فيه قولان:
أحدهما: لا يُفْتَنون في أنفسهم بالقتل والتعذيب، قاله مجاهد.
والثاني: لا يُبْتَلَوْن بالأوامر والنواهي.
قوله تعالى: {ولقد فَتَنَّا الذِين مِنْ قَبْلِهم} أي: ابتليناهم واختبرناهم، {فَلَيَعْلَمَنَّ اللّهُ} فيه ثلاثة أقوال.
أحدهما: فلَيُرِيَنَّ اللّهُ الذين صَدَقوا في إِيمانهم عند البلاء إِذا صبروا لقضائه، ولَيُرِيَنَّ الكاذبين في إِيمانهم إِذا شكُّوا عند البلاء، قاله مقاتل.
والثاني: فلَيُمَيِّزَنَّ، لأنَّه قد عَلِم ذلك مِنْ قَبْل، قاله أبو عبيدة.
والثالث: فلَيُظْهِرَنَّ ذلك حتى يوجد معلوماً، حكاه الثعلبي.
وقرأ عليّ بن أبي طالب، وجعفر بن محمد: {فلَيُعْلِمَنَّ اللّهُ} {ولَيُعْلِمَنَّ الكاذبين} {ولَيُعْلِمَنَّ اللّهُ الذين آمنوا ولَيُعْلِمَنَّ المنافقين} [العنكبوت: 11] بضم الياء وكسر اللام.
قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ} أي: أَيَحْسَب {الذين يَعْمَلون السَّيِّئات} يعني الشِّرك {أن يَسْبِقونا} أي: يفُوتونا ويُعْجِزونا {ساء ما يحكُمون} أي: بئس ما حكموا لأنفسهم حين ظنُّوا ذلك. قال ابن عباس: عنى بهم الوليد بن المغيرة، وأبا جهل، والعاص بن هشام، وغيرهم.


قوله تعالى: {من كان يرجو لقاء الله} قد شرحناه في آخر الكهف {فانَّ أَجَل الله لآتٍ} يعني الأجل المضروب للبعث؛ والمعنى: فليعمل لذلك اليوم {وهو السميع} لما يقول {العليم} بما يعمل. {ومَنْ جاهد فانَّما يُجاهِد لنفسه} أي: إِن ثوابه إِليه يرجع.
قوله تعالى: {لَنُكَفِرَنَّ عنهم سيِّآتهم} أي: لَنُبْطِلَنَّها حتى تصير بمنزلة ما لم يُعمل {ولَنَجْزِيَنَّهم أحسنَ الذين كانوا يَعْمَلون} أي: بأحسن أعمالهم، وهو الطاعة، ولا نجزيهم بمساوئ أعمالهم.


قوله تعالى: {ووصَّينا الإِنسان بوالديه حُسْناً} وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو مجلز: وعاصم الجحدري {إِحساناً} بألف. وقرأ ابن مسعود، وأبو رجاء: {حَسَناً} بفتح الحاء والسين. روى أبو عثمان النَّهْدي عن سعد ابن أبي وقَّاص، قال: فيَّ أُنزلت هذه الآية، كنت رجلاً بَرّاً بأُمِّي، فلمَّا أسلمتُ قالت: يا سعد! ما هذا الدِّين الذي قد أحدثتَ، لَتَدَعنَّ دِينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموتَ فتُعيَّر بي فيقال: يا قاتلَ أُمِّه، قلت: لا تفعلي يا أُمَّاه، إِنِّي لا أَدَعُ ديني هذا لشيء، قال: فمكثتْ يوماً وليلة لا تأكل، فأصبحتْ قد جُهِدَتْ، ثم مكثتْ يوماً آخر وليلة لا تأكل، فلمَّا رأيتُ ذلك قلتُ: تعلمين والله يا أُمَّاه لو كانت لكِ مائة نَفْس فخرجتْ نَفْساً نَفْساً ما تركت ديني هذا لشيء، فكُلي، وإِن شئتِ لا تأكلي، فلمَّا رأت ذلك أكلتْ، فأُنزلت هذه الآية. وقيل: إِنَّها نزلت في عيَّاش بن أبي ربيعة، وقد جرى له مع أُمِّه نحو هذا. وذكر بعض المفسرين أنَّ هذه الآية، والتي في [لقمان: 15] وفي [الأحقاف: 15] نزلن في قصة سعد. قال الزجاج: مَنْ قرأ: {حُسْناً} فمعناه: ووصَّينا الإِنسان أن يفعل بوالديه ما يَحْسُن، ومن قرأ {إِحساناً} فمعناه: ووصينا الإِنسان أن يُحْسِن إِلى والديه، وكان {حُسْناً} أعمَّ في البِرّ.
{وإِن جاهداك} قال أبو عبيدة: مجاز هذا الكلام مجاز المختصر الذي فيه ضمير، والمعنى: وقلنا له: وإِن جاهداك.
قوله تعالى: {لِتُشْرِك بي} معناه: لتشرك بي شريكاً لا تَعْلَمه لي وليس لأحد بذلك عِلْم، {فلا تُطِعْمها}.
قوله تعالى: {لَنُدْخِلَنَّهم في الصالحين} أي: في زُمرة الصَّالحين في الجنة. وقال مقاتل: في بمعنى مع.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8